مقدمة
نستهل بحثنا هذا بالتعريف بهذا الإقليم المتاخم للحدود الليبية من جهة الشرق والذي تسكنه قبائل أولاد علي الليبية والتي نزحت من ليبيا بسبب نزاع بينهم وبين اخوتهم الحرابي فيما يعرف (بتجريدة حبيب) وكان ذلك في عام 1670م
ويمتد هذا الإقليم لمسافة طويلة غربي الإسكندرية تبلغ قرابة 500 كيلو متر، وعلى الرغم مما تمثله المنطقة من أهمية اقتصادية كامنة، وما تمثله من أهمية استراتيجية جعلت منها ميداناً لمعركة مهمة من معارك الحرب العالمية الثانية وهي معركة العلمين الشهيرة، ويمثل إقليم مطروح بحكم موقعه على البحر المتوسط أكثر مناطق الصحراء الغربية عمراناً وازدحاماً بالسكان، لانتشار الزراعة وتوفر المطر، مما أدى إلي انتشار المراعي الطبيعية، لأن الحرفة الأولى لسكان هذه المنطقة هي تربية الأغنام إضافة إلي الزراعات البعلية كالقمح والشعير والبطيخ، وغاية ما يعنينا من بحثنا هذا هو تسليط الضوء على سكان هذا الإقليم.
إن خلاصة مايهمنا هو أن هذة المنطقة يمتد وجودها إلي عصور ماقبل التاريخ، وإن (السكان الأقدمين بصحراء مصر لم يكونوا يعيشون في صحراء، ولم يكونوا يسكنونها وهي على حالها من الجفاف ووعرة العيش، بل كانوا يعيشون والمياه والأمطار تروي أوديتهم وتنشر الخصب والنماء في ربوعهم وزروعهم، وقد أثبت الباحثون أن أقصى عهود التاريخ قد شهدت أشجار الزيتون تنمو بكثرة في مريوط وغربيها، وأن هذه المنطقة كانت تعرف باسم (طيهينو) أي وادي الزيتون، وقد وضح من الأبحاث بما لا يقبل الشك أنه عندما نزل الإنسان أرض مريوط فيما قبل التاريخ كانت صحراء ليبيا مزارع ومراع، ولما قلّت الأمطار أخذ قوم الصحراء يندفعون شيئاً فشيئاً إلي منطقة الساحل الغربي للبحر الأبيض المتوسط وغرب الدلتا إي فرع النيل الكانوبي وقد ظلت هذة المنطقة تتنازعها الغزوات الليبية والمدافعات المصرية منذ فتحها الملك مينا حوالي سنة 3400 ق.م حيث أصبحت خاضعة لمصر منذ عهد الأسرة الأولى، كما ظلت هذه المنطقة محط نظر كل الجيوش الغازية بل أنه (في الفترة القصيرة بين 616 وسنة 619 م عندما غزا خسرو الفارسي مصر إلي أن طرده منها هرقل، مر بأنحاء مريوط جيش اجنبي آخر وهو جيش الفارسيين متجهاً لفتح (بنتابوليس) وقبل ذلك كان جيش هرقل بقيادة بنكيتاس قد اتجه من برقه واستولى على مصرأاواخر عام609 م.
أما الفتح العربي فلم يكن له طريق آخر لضم شمال أفريقيا، حيث عبر الفاتحون هذه المنطقة إلي برقة والتي كانت قبل الفتح الإسلامي تابعة للإسكندرية تحت حكم دولة الروم الشرقية، والتي كانت تتبعها جميع بلاد الشمال الإفريقي، وماكاد العرب ينتهون من فتح الإسكندرية حتى اتجهت أنظارهم نحو إفريقيا لفتحها.
وإذا كانت نقطة الارتكاز في هذه الفتوح هي مصر التي فتحها المسلمون عام 21هجرية 641 م بقيادة عمرو بن العاص واستكملوا فتحها بسقوط الإسكندرية 22 هجرية، حيث حرص ابن العاص على تأمين السيطرة العربية على مصر فاتجه إلي فتح ليبيا.
ولابد أن نشير إلي أن هذه القبائل التي أتت مع جيش عمرو بن العاص لم تستقر بهذه المنطقة موضوع البحث، وواصلت الزحف غربا مع جيش المسلمين الفاتح لشمال إفريقيا، ولم تبقى إلا قليلاً من القبائل العدنانية والتي يطلق عليها القيسية. ففي الفسطاط نزلت جماعة من قريش وغفار وثقيف ودوس وعيسى بن بغيض، وقد ظلت الحال هكذا حتى النصف الأول من بداية العقد الأول من القرن الثاني الهجري، ثم بدأ التفكير في هجرة العدنانيين أو القيسية إلي مصر منذ تولى أمرها عبد العزيز بن مروان في عهد دولة بني أمية، فقد عبّر هو عن ذلك في كلمة قالها مرة يخاطب أباه مروان بن الحكم (يا أمير المؤمنين كيف المقام ببلد ليس فيه أحد من بني أبي) ولم يكن في مصر حينذاك من العدنانية إلا جماعات قليلة، وتوالت القبائل القيسية في الهجرة إلي مصر تأتيها من بوادي نجد بين عامي 109 و 114 هجرية، ونزلت بلبيس واستقرت بها إلي وقتنا هذا.
هذه إطلاله عامة وسريعة على وضع الجناح القيسي والوجود العربي بمصر، بعد مرور أكثر من قرن على فتح المسلمين لها.
الجزء الاول: هجرة قبائل بني سليم وبني هلال
كان هذا التدفق الاوسع إلى الشمال الافريقي، وكانت هذه القبائل تسكن إقليم نجد ونزحت إليه في عهد الدولة العباسية في القرن الخامس الهجري إبان حكم الفاطميين لمصر، وعلى نحو ماهو معروف عن تمرد المعز بن باديس أوالعبد الآبق ابيس، كما يسميه الفاطميون، على السلطة الفاطمية وعلى مذهبها الديني والسياسي. مما حدا بالخليفة الفاطمي المستنصر بالله إلى دفع مجموعة قبائل هلال وسليم وبطونهما وأحلافهما، حيث أباح لهم الغرب في خطة مزدوجة تهدف إلى تصفية ابن باديس من ناحية، ومن ناحية أخرى إلى التخلص من هذه القبائل التي تحيزت للقرامطة عند ظهورهم في البحرين، ورافقتهم إلى الشام عند استيلائهم عليه، إلى أن انتزعه منهم الخليفة الفاطمي العزيز، وردّ القرامطة إلى البحرين ونقل القبائل العربية من هلال وسليم إلى الصعيد والعدوة الشرقية من النيل والشاهد أن هذه القبائل استجابت للإغراء الفاطمي وعبرت النيل واتخذت طريقها إلى الغرب على مرحلتين، الأولى "بإغراء رسمي من الفاطميين في شخص وزيرهم اليازوري، وكانت الثانية هجرة لا إكراه فيها ولاترغيب. أقدم عليها الأعراب ليشاركوا فيما نال إخوتهم وأبناء عمومتهم من فيء وغنيمة، بل إن بعضهم ليذهب أن الفاطميين أنفسهم أدركوا قوة هذه الرغبة في النقلة الثانية، ففرضوا على أفراحها مايشبه المكوس، وأخذوا عن كل رأس دينارين وقد كان رجال المرحلة الأولى قد بلغوا برقة وافتتحوا أمصارها، واستباحوها وكتبوا لإخوانهم شرقي النيل يرغّبونهم في البلاد فأجازوا إليهم"
وتجمع المصادر والمراجع التاريخية على أن جموع هذه التغريبة قد تقارعوا على البلاد أول قيامهم بتغريبتهم هذه وقسّموها "على أساس أن الشعبين الكبيرين اللذين تتألف منهما سائر قبائلهم وهما سليم وهلال، اختص الأول بالشرق والثاني بالغرب" على أن عبدالحميد يونس لا يطمئن إلى دقة هذه الرواية ويرى أنها " لا تستقيم مع الهجرة غير النظامية التي كانوا يسيرون في مجالها، وأغلب الظن أنها انتحلت بعد حدوثها بزمن، لأنها تتفق مع النتائج التي انتهت إليها الأحداث لا مع مقدمتها) وأعتقد بأنه مصيب فيما قال، لأنه استند إلى أداة الاقتراع، وهي أداة تعتمد على الصدفة والغيبية، ومما يدعم هذا التشكك المنطقي والاستقرائي، سيرة أخلاق هذه القبائل في تقسيم المناطق التي يقومون بفتحها أو الاستيلاء عليها، ذلك أن قبائل (أولاد علي) موضوع بحثنا، عند جلائهم من برقة إلى مصر1670م على إثر حربهم مع الحرابي إخوتهم كما أشرنا، اضطروا إلى نصرة قبيلة (الجميعات) التي سبقتهم إلى استيطان هذه المنطقة ومساندتها ضد قبيلة الهنادي الذين هزمهم أولاد علي واستولوا على أراضيهم بالبحيرة، وكانت القاعدة المتبعة هي أن يستولي كل مقاتل على مايصل إليه من أرض وتكتب باسمه. ويروون أن كاتباً من قبائل المرابطين كان يسجل ذلك، وعند قرية طيبة الإسم وهي من قضاء محافظة البحيرة الأن، استخلص الأرض فارسان أحدهما من السننة والأخر من الصناقرة، وهما فرعان من أولاد علي، وكان الكاتب ميالاً إلى الصنقري فكتبها له، فلطم السنني الكاتب، ولما كان من غير اللائق أن يعتدى على الكاتب وهو فقيه، فقد قتل الصنقري السنني وقال:
قبل حوتا طابت ... جاها الخيال صدافا
ونستنتج من هذا الأمر الحرص من هذه القبائل على تقليص الاحتكاك فيما بينها، وقد انعكس هذا الاتجاه في عرفهم المقنن الذي لم يُتح للمرأة أن ترث استناداً إلى قاعدة تقول (الأرض حوز نبوت)!!!!؟ أي أنها أخذت بالقوة، ومن الطبيعي أن تكون هناك أسباب أخرى تمنع توريث المرأة، ذلك أن المرأة قد تتزوج من خارج القبيلة، فتنتقل ملكية الأرض من خلالها إلى فرع آخر من قبيلة أخرى.
الجزء الثاني: استقرار قبائل بني سليم في برقة
احتلت قبائل بني سليم برقة كما أشرنا (ولما غربت بقيت منهم بقية في برقة أغلبها من سليم وأحلافها) وإلى سليم تنسب غالبية قبائل أولاد علي موضوع البحث، حيث يجمع الرواة وكذلك تتفق أغلب المراجع والتي كتب أغلبها بعضاً ممن ينتمون إلى هذه القبائل، على أنها تنسب إلى أبي الليل أو الذئب، والذي ينتهي ابن خلدون بنسبه إلى أحمد من هيب من بهثة من سليم، وكذلك أشار صاحب كتاب (سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب) وهو مؤلف للألف عام 1229 هجرية على أن بني أحمد وكذلك الكعوب الذين سيسود عليهم أبي الليل، هؤاء لم يرد ذكرهم ضمن بطون بني سليم التي بقيت في برقة، وإنما تشير المصادر أن مساكنهم إفريقية، وقد يبدو ذلك تعميماً يمكن أن تندرج تحته برقة، ولكن في حقيقة الأمر هي أن إفريقية مصطلح تاريخي معروف لا تدخل برقة في حدوده، وخاصة أن صاحب (سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب) كان يحدد مواضع البطون فيذكر مستنداً إلى تاريخ ابن خلدون وإلى مسالك الأبصار، ما إذا كان هذا البطن أو ذلك يسكن برقة أو بين طرابلس وقابس.....إلخ، وقدد حدد السويدي في السبائك أربعاً وعشرين بطناً للبيد، وهم من بني سليم، وذكر منازلهم ببرقة، وأنهم خلق كثير لا يكادون يحصون. وهو يشير إلى بني كعب قائلاً: (بطن من سليم مساكنهم إفريقية من بلاد المغرب، منهم أولاد أبو الليل أمراء العرب بإفريقيا) إلا أنه يذكر أن بني علاق، ويقول أنهم: (بطن من عوف بن بهثة من سليم، ذكرهم في العبر ولم يرفع نسبهم، وقال مساكنهم مابين قابس وبلد العناب من إفريقية مع قومهم بني عوف. قال: (وكان رئيسهم عند دخولهم إفريقية رافع بن حماد ومن أعقابه بنو كعب أمراء العرب الآن بإفريقية) والواضح من تقسيم السويدي وتعليقاتة المنسوبة إلى إبن خلدون أن الكعوب كانت مساكنهم بين قابس والعناب، أي عنابة وهما مدينتان ساحليتان الأولى في تونس على خليج قابس، والثانية في الجزائر على ساحل البحر الأبيض المتوسط)
والواضح كذلك من تقسيمات السويدي، ومن ثم فإن القول بنسبة القبائل الحالية إلى أبي الليل مرتبط بالقول بأن برقة كانت مستقرهم قبل مجيئهم إلى مصر يبدو محيراً، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن بعض القبائل التي ينص عليها السويدي على أنها تسكن برقة وهي من بطون لبيد تذكر أسمائها بين القبائل المقيمة حالياً في مطروح مثل الحدادة والحوتة والموالك. وبالنسبة إلى أبي الليل هو حقاً ينتسب إلى أحمد الذي يمثل بطناً من بطون هيب من بهثة من بني سليم، ومن المؤكد أن بني هيب لم يسكنوا برقة فالسويدي يذكر أن: (مساكنهم مع قومهم هيب في أطراف برقة مايلي بلاد المغرب) وقد نازع أحمد بني شيخة رياستهم الكعوب وتابعه في ذلك إبنه أبوالفضل ثم من بعده أخوه أبو الليل إلى أن (استبد أبوالليل بالرياسة في الكعوب)
وظلت المزاحمة على الرئاسة بين أابناء شيخة وابناء أبي الليل، ولكننا من خلال الجمع بين مواضع مختلفة من هذه المصادر ومن خلال مقارنة النصوص المتفرقة في تلك المواضع يمكننا القول بأن أبا الليل قد عاش قبل عام 694 هجرية حيث حضر حكم عمر بن أبي زكريا الذي امتد من 683 إلى 694 هجرية ومعنى هذا أن أبا الليل قد توفي قبل عام 694 هجرية، حيث تولى حكم تونس أبو عصيدة محمد، خلفاً لأبي حفص [ويرد في أسماء عقب أبي الليل الذئب اسم أبو الليل بعد قرابة خمسة عقود من وفاة الأول، أي حوالي سنة 740 هجرية يقول ابن خلدون ضمن حديثه عن مواضع القبائل العربية وقت اعداد كتابه: (وشيخ هؤلاء العرب ببرقة يعرف لهذا العهد بأبي ذئب من بني جعفر .. وأما نسبهم فما أدري فيمن هو من العرب، وحدثني الثقة من ذباب عن حريص بن شيخهم أبي ذباب أنهم من بقايا الكعوب ببرقة، وتزعم نسابة الهلاليين أنهم لربيعة بن عامر إخوة هلال بن عامر.. ويزعم النسابة أنهم من الكعوب من العزة وأن العزة من هيت (هكذا كتبت ولعل الصحيخ هيب) وأن رياسة العزة لأولاد أحمد وشيخهم أبو الذئب) [ولعل هذه أول إشارة إلى استقرار الكعوب أو بقاياهم في برقة، ولكن يظل من غير المفهوم أمر استقرار هذا الفرع في المنطقة من تونس والجزائر غرباً إلى برقة شرقاً، فالمصادر التاريخية تصمت عن هذا تماماً. وإذا جاز لأحد أن يقدر أن بعضاً من هذا الفرع انتقل للعيش في برقة والاختفاء المفاجيء لبقية الفروع، وعلى أية حال إن بعضاً من المشكلات قد واجهت ابن خلدون وعبّر عن حيرته إزاءها على نحو ما أوضحنا ونقلنا عنه سلفا، ولم يتح له أن يحسم الأمر على الرغم من قرب عصره من بواكير هذه القبائل بحيث لم تفصله عن انتقالها إلى الغرب أكثر من ثلاثة قرون.
نسب أولاد علي
تزوج على بزوجتين إحداهما تدعى سعدى الحمراء والأخرى عائشة البيضاء وأنجب ثلاثة أولاد أكبرهم أبو سنينه (زعيم قبائل السننة) ولما توفى على كان عمر أبو سنينة عشر سنوات أما والده الآخران فقد ولدا بعد وفاة والدهم. الأول بعد ستة أشهر والثاني بعد خمسة اشهر ولما كان كل منهم من زوجة فكل زوجة سمت ابنها (على) على اسم أبيه ولعدم الارتباك أو التشابه في الأسماء فقد سمى العرب ابن سعدى على الحمر وابن عائشة على الأبيض هذه رواية ولما كان هذا الموضوع كبير ومتشعب النواحي وهذه الروايات تتناقل من شخص لشخص لا نتأكد من مدى مصداقيتها وكانت أغلب المصادر التي أطلعت عليها يعتمد على روايات نقليه عن شيوخهم ورؤساء قبائلهم وعشائرهم وبعض الروايات خيالية بعيدة عن العقل ولو أن أكثرهم يؤيدها فقد جمعت ما أمكنني منها وسأذكر ما اتفق عليه الجميع وقرب من الذهن وتنسب أولاد على إلى السعادي و السعادي هم أبناء سعدى وأبوهم الذيب أو أبى الليل وهو ينتسب إلى سليم و سعدى هذه من قبائل بني هلال (وقد ذكر ابن خلدون في الجزء الأول من تاريخه أن هناك بمدينة مصراته زعيم عربي كبير يسمى أبو ذيب وأن له نفوذ عظيم في إقليم برقة وطرابلس).
ونحن نعرف أن سعدى أنجبت ثلاثة أبناء هم برغوث، سلام، عقار. فمن برغوث فايد وجبريل وبرغوث الصغير، ومن سلام الهنادى والبهجة وبني عونة ، ومن عقار حرب وعلى وهو موضوعنا في هذا البحث ويوجد مع أولاد على في محافظة مطروح كثير من قبائل المرابطين نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر (المنفه، الشواعر، الموالك، القطعان، الجرارة، الحوتة، الفواخر، التراكى، الشهيبات، العوامة، السمالوس، الصريحات، القريضات، حبون، الجبيهات، مشيط) وقد قسمت هذه القبائل بين فروع أولاد وسنشير إلى ذلك.
ويشير صلاح التايب إلى أن أبا الليل قد تزوج من سعدى بنت الزناتى خليفة والتي تنتسب إليها كل هذه القبائل، حيث يطلق عليهم جميعاً اسم قبائل السعادي، وانتقل هذا الانتساب – الذي أزاح غيره – من مجرد إشارة عرقية إلى مدعاة إلى الافتخار، بحيث أصبح اسم السعادي رمزاً للفروسية والبطولة والشرف والكرم، وبحيث استقام لهذا الاسم أمر صياغة الفعل (تسعدن) ليدل على التحلي بكل الصفات النبيلة.
ولا نتردد كثيراً في القطع بخطأ نسبة سعدى إلى الزناتي خليفة، وفى ضوء ما حاولنا القيام به من ضبط تاريخي للفترة التي عاش فيها أبو الليل خلال القرن السابع الهجري بفرض قبولنا جدلاً لانتساب هذه القبائل لأول من تسموا بهذا الاسم – أو هذه الكنية – يستحيل أن يقترن أبو الليل هذا ببنت الزناتي خليفة إذ يفصل بينهما أكثر من قرنين من الزمان. وإذ كان التايب قد وقع في هذا الخطأ، فإن نظراءه من من كتاب هذه القبائل يذكر أن سعدى هذه من قبيلة هلال ، وهو الأقرب إلى الصحة والأكثر تواتراً بين الرواة. ولا نجد تفسيراً لمثل هذا اللبس سوى شهرة سعدى الزناتية من خلال السيرة، بمالها من سلطان ثقافي بسعة الانتشار واضطراد التواتر. وعلى حال بعينها فإن تنحية مثل هذا الرأي لا تحتاج إلى كبير عناء لوضوح فساده التاريخي.
تكاد تتفق المراجع التاريخية المتاحة على أن ذرية الذيب أبى الليل تضم: عقار، برغوث وسلام، والأول ينتسب إليه العقاقرة، والثانى البراغيث والثالث السلالمة ولا نود الخوض في تفصيلات ما انشعبت إليه هذه الفروع الكبرى إذ حسبنا أن نقف عند ما يتصل بمنطقة البحث من قبائل تفرعت من عقار دون دخول أيضاً في تفصيلات على النحو الذي تفرغ له كتابا خير الله فضل عطيوة وصلاح التايب فكلاهما تابع تفريعات هذه القبائل لحد الوصول بها إلى البيوت الصغيرة، بحيث يجئ استعراضهما هنا إثقالاً وتعسفاً وتزيداً إذ لن نكون في ذلك متجاوزين حدود النقل الصرف.
لقد أنجب عقار هذا ثلاثة أبناء هم حرب وعلى والذئب وأولهم جد الحرابى والثانى هو المسمى عليه أولاد على وقد أنجب كلا من على الأبيض وعلى الأحمر، وكل منهما لأم والثالث أنجب ولدين هما فايد وأبو سنية، وقد توفى (فاقتسمهما أخواه فأخذ حرب فايد والمسمى عليه قبيلة فايد وأخذ على أبو سنية والمسمى عليه قبيلة السننة) من هنا يمكن القول بان الفروع الأصلية لأولاد على هي على الأبيض وعلى الأحمر مضافاً إليهما السننة إلا أن قبائل أولاد على تضم أسماً من غير أبناء على الكبير أو الذئب، وقد تفرع هذا الاسم إلى مجموعة كبيرة من القبائل تفوق عدد بقية قبائل أولاد على، هذا الاسم هو سنقر جد السناقرة، وعن دخوله في أولاد على تتواتر روايات ليست بالقليلة تشير إلى أنه رجل من غير المسلمين التقطه الحراس من على شاطئ البحر وحملوه إلى أبى هندى أحد أبناء على الأبيض وزعيم أولاد على في درنة بليبيا والذي ضمه إليه وزوجه ابنته حيث استطاع سنقر بذكائه أن يخلف أبا هندى في زعامته لأولاد على. إلا أن خير الله فضل عطيوة يتخذ طريقاً آخر في تفسير الأمر، إذ يرى أن سنقر هذا هو أحد المهاجرين العرب من الأندلس عقب سقوط ممالك وأمارات المسلمين في الأندلس وأنه (وصل إلى ساحل مدينة درنة بليبيا عام 1260م في أواخر القرن الثامن الهجري وكانت مدينة درنة تسكنها قبائل أولاد على زعيم منطقة الجبل الأخضر وكان هذا شاباً في مقتبل عمره فتم علاجه وتربى في بيت أبو هندى واحتضنه وزوجه ابنته التي أنجب منها حمد وأنجب حمد عامر الذي أنجب قبائل السناجرة والجدير بالذكر أن سنجر أبو ويلة هذا كان شاباً متعلماً نافذ الفكر لأنه (كان) قادماً من بلاد الأندلس التي كانت تحمل مشعل الحضارة في أوروبا والعالم الإسلامي فقد تفوق على عمه أبو هندى الذي رباه وتبناه ثم زوجه ابنته لدرجة أن أبو هندى زعيم منطقة الجبل الأخضر وثق به فسلمه قيادة قبائل أولاد علي، وتولى التصدي للنزاعات بين قبائل أولاد على والحرابي وقد أطلق عليه اسم سنجر نسبة إلى بلدة سنقرية إحدى بلاد الأندلس التي قدم منها ويقول الشاعر في هذا:
زِينَك شَايِبْ فَات كرِيتْ وجَا متْسَايبْ
ما خلَلا لُبو هِنْدِى نَايِبْ حَتَّى الشُوخَهْ خَذْها مِنَّه
إن وقفتنا هذه دافعها ما مثله سنقر وأبناؤه تاريخياً فى حركة أولاد على وصراعهم مع الحرابى، وما يمثله السناقرة الآن من حيث هم أكبر مجموعة قبائل داخل منظومة أولاد على والتى تضم:
أولاً: قبائل على الأبيض وتنقسم إلى قمسين هما:
1- أولاد سليمان (الخرفة) وينقسموا إلى عدة قبائل هى: أبو هندى، أبو ضيا، أولاد منصور.
2- قبائل الصناقرة وتنقسم إلى: قبيلة الأفراد، قبيلة العجارمة، قبيلة الشرارمة, قبيلة طاهر، قبيلة هارون، قبيلة العزايم، قبيلة المغاورة، قبيلة الموامنة، قبيلة مرقيق، قبيلة وداد، قبيلة شرفاد، قبيلة دودان، قبيلة العجوز، قبيلة الجاهل، قبيلة زعير.
ثانياً: قبيلة على أحمر وتنقسم إلى ثلاث قبائل هى:
1- قبيلة القناشات. 2- قبيلة الكميلات. 3- قبيلة العشيبات.
ثالثاً: قبائل السننة وتنقسم إلى خمسة وهى:
1- قبيلة المحافظ. 2- قبيلة القطيفة. 3- قبيلة العجنة. 4- قبيلة العراوة. 5- قبيلة الشوالحة.
وقد ألحقت بقبائل أولاد على مجموعة أخرى من القبائل هى المرابطونن وقد انضمت إلى أولاد على عقب نزولهم (من ليبيا عام 1670 حيث أخذت فى الهجرة من ليبيا باللحاق بقبائل أولاد على التى كانت تعيش معها وبجوارها فى ليبيا). وعقب هزيمتهم فى حربهم مع الحرابى فيما عرف بتجريدة حبيب وهى حرب عنيفة اضطر معها أولاد على إلى النزوح عن الجبل الأخضر قادمين إلى مصر وتبعتهم قبائل المرابطين (تباعاً واحدة بعد الأخرى وكلما وصلت قبيلة وزعت على أحد قبائل أولاد على الرئيسية حيث انضمت سبعة عشر قبيلة منها إلى قبائل على الأبيض وأربعة قبائل إلى قبائل على الأحمر وخمسة قبائل منها إلى قبائل السننة)
أما قبائل (الجمعيات) والتى سبقت أولاد على فى الوفود إلى مصر [فإن الآراء تتعارض فى أمر نسبهان فعلى حين يرى خير الله فضل عطيوة أنها من القبائل التى (ليست أصلاً من أولاد على تنسيباً لكنها اندمجت فيها وأصبحت منها مع طول الزمن الذى يزيد على الستمائة عام" فإن صلاح التائب يذكر دون قطع أن عليا الكبير "انجب بنتا تسمى خديجة هى جدة قبائل الجمعيات" ولكنه فى موضع آخر بصفها بأنها "من كبرى القبائل المصرية وتسكن مصر وبخاصة مريوط والبحيرة والصحراء الغربية من قبل الفتح الاسلامى" ويورد ثلاثة آراء تتصل بنسبها مشيراً إلى اختلاف النسابين "فى أصل هذه القبيلة فهناك رأى يتزعمه ابن خلدون أن الجمعيات من السعادى وهم أبناء خديجة أخت على وبنت عقار, ورأى آخر أنهم من سلالة أولاد سليمان وجدهم كعب وكعب جد أبو الليل الذئب!! وهناك رأى ثالث أنهم ينتسبون إلى كعب بن لؤى من الصحابة" على أن صاحب "رحلة الألف عام" يشير إلى أن "كافة من كتبوا عن القبائل العربية بمصر لم يقطع أحد منهم عن قبائل الجمعيات غير أن اللواء رفعت الجوهرى وهو واحد ممن نقبوا عن القبائل العربية وكتب عنها يقول وعلى لسان أحد شيوخها أن قبيلة الجمعيات تنحدر من كعب
إنه الاختلاف نفسه الذى يعترى مواقف النسابة فى شأن قبائل المرابطين، بل ويمتد ليشمل قبائل أولاد على مع فارق واحد يتمثل فى أن الاختلاف حول أصل أولاد على يتصل بتوالى سلسلة النسب إلى سليم وإلى أى الفروع تحديداً ترتفع هذه السلسلة على نحو ما يبدو فى حيرة ابن خلدون التى أشرنا إليها من قبل بينما يجئ الاختلاف بالنسبة للجمعيات متصلا بمدى انتساب هؤلاء إلى أولاد على, وبالنسبة للمرابطين متصلا بمدى انسابهم إلى أصول موثقة فى الجزيرة العربية وأن استقر الأمر على تنسيبهم إلى آل البيت.
وعلى الاجمال فإن الحرص على الانتساب إلى بيت النبوة يمثل ظاهرة مضطردة عند هذه القبائل فى مختلف المناطق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق